بس لا زواج ماجد قرب ، وكنت ناوية أكون فتنة الحفل فيه، وألحين الله ينجيني من فتنه الممات .. طلّعت علبة مجوهراتي ومسكت خاتم كبير اشتريته أيام زواجي، كانت في الخاتم نقوش ، تفحصت النقش، وطرا على بالي طاري … يا ترى أنا كنت أزكي عن هالذهب ولاّ لا؟! أظن أبو سارة كان يزكي عن ذهبي، أظن بس ماني متأكدة، ما قد سألته أبد، وتفحصت النقش مرّة ثانية وفركت جبهتي وأنا أتسال… يا ترى هالرسوم بتطبع في جبهتي وأكوى بها ولا بينجيني الله؟!!! تأملات غريبة طرت على بالي، ومشى الوقت بسرعة وأنا بين أدويتي المهدئة وبين صلواتي وقرآني ..
في الليل طلعت من الغرفة ولقيت سجادة أمي عند الباب، أمي ما نامت تصلي وتدعي وجلست عندها والتفتت علي، نظراتها تجمع فيها حنان أمهات الدنيا كلها، ناظرتني نفس نظراتها لي يوم كنت طفلة ..
قالت : تبين شيء يا بنيتي؟!!
قلت : يمّه أبي رضاك عني ..
انفجرت أمي تبكي .. بكت ... بكت ... وأنا تحجّرت الدموع في عيوني ولا دمعة هلّيتها، وانتظرت لين هدت، وقالت: أنا راضية عنّك يا بنتي .. والله إنك من بين إخوانك كلهم أقل وحده تعبتني في الحمل والولادة والتربية، أنا راضية عنّك يا بنتي والله يرضى عنّك إن شاء الله ..
تنهدت براحه وقمت من عندها ومشيت لمحت أختي طالعة من الغرفة، أختي من أسبوع ما شفتها، بس غطت وجهها بيدها وكأنها شايفة شبح، ودخلت لغرفتها بسرعة، ومشيت .. كنت أدوّر في البيت مثل مومياء أعدّوها لتابوتها، أمشي ببطء ..
كل أهل البيت سهرانين ، وش هالليلة الغريبة؟! كل واحد ماخذ له زاوية وجالس لحالة، هالليلة تشبه ليلة السفر، صح هي فعلاً ليلة سفر، وتذكرت كيف كنت أقلق في كل ليلة سفر ولا أنام، صحيح إن سفري كان سياحة إلاّ إني أتقلب في فراشي، وكل شوي أروح أتاكد إن أغراضي جاهزة ..
يووه اليوم سفرتي غير، سفرتي ما فيها رجعة، ومفاجأة وماني مستعدة لها أبداً ..
مشيت على صوت ترتيل أخوي محمد للقرآن ، كنت أتّبع الصوت لين دخلت عليه، محمد أعز إخواني على قلبي .. ما أنسى أول أيام التزامه كيف كانوا أهلي يعلقون عليه بحجة إنه متشدد، وكنت أشجعه، أعرف إن هذا صالحه دنيا وآخرة، وقلت له يصبر عليهم ويحتسب، وهو الربحان في الأخير .. وفعلاً بدا يجني ثمار صبره وألحين الكل يثق فيه وياخذ شوره ..
جلست جنبه وهو يقرأ تغيرت نبرة صوته يوم دخلت وبدت تتذبذب، وباين كيف كان يكافح علشان يثبتها في مستوى واحد وارتفع صوته علشان يسيطر على ضعفه، وأنهى السورة والتفت علي ...
قلت : محمد… وش أنا مقبلة عليه ؟!!
ابتسم بحماس ودموعه تهل وقعد يحكي لي عن رحمه الله، وهو محافظ على ابتسامته الطيبة بالرغم من دموعه، وحكى لي كيف إن الله رحيم بعباده، وإنه أحن عليهم من الأم على ولدها ..
قلت : محمد كيف الموت؟!!!
قال : إن شاء الله بيكون سهل كــ…..
قاطعته وقلت : محمد وش البرزخ؟!!!!
كنت أفكر بصوت عالي وأبي أحد يسمعني ، بس قال : البرزخ هي الحياة بين الدنيا والآخرة و....
قلت : محمد كيف بيكون حالي فيها إذا ما دعيتوا لي ؟!!!
ورفع يدينه للسماء واجتهد بالدعاء، وأنا طلعت من عنده، وبدون لا أشعر ساقتني رجليني للمجلس، كنت أبي أعرف أبو سارة هناك ولاّ راح ينام على سريره اللي أعرف إنّه ما يرتاح إلاّ عليه، وجا في بالي فكرة… يا ترى بيتزوج بعدي؟!!!! أكيد أنا أعرف أبو سارة ما يحب الوحدة … يا خساااارة ..
دخلت المجلس ورفع راسه لي تمنيت إني ما لقيته، وتراجعت وناداني ..
قال : العنود تعالي يا حبي الأول والأخير .. وبكى ساعتها بس بكيت ، أنا كنت عارفة إني ما راح أتحمل شوفته هو بالذات ..
قلت : ما لك عندي شيء يا خالد خلاص الموت بيخطفني منك اليوم، يمكن أشوفك في الجنة كاننا من أهلها إن شاء الله.
قال : إن شاء الله إنك من أهلها، أنا راضي عنك يا العنود، ومن ماتت وزوجها عنها راضي دخلت الجنة ..
قلت : بس أنا كنت مقصرة معك كثير ..
قال : بالعكس حياتي معك كانت حلم جميل، ما تمنيت إني أفيق منه يا العنود .. كل شيء معك كان له طعم حتى زعلك ودموعك وغضبك، كنت في جنة يا العنود، وكنت متأكد إنها ما راح تستمر السعادة اللي كنت فيها… العنوووود والله ما أنساااكِ ..
حرّك خالد يده بقوة وصرخ : والله العظيم ما تغيبين عن بالي يالغاليه .. وهو يحلف أنا كنت أتخيله وهو ماسك يد عروسه الجديدة، ويطالعها بفرح وهي تبادله النظرات !! خسارة كان زوج نموذجي وكنت أحبه، خسارة… الله يخلفه علي، وقمت طلعت وكملت رحلتي الكئيبة ..
هالمرة وقفت عند الباب اللي سارة تنام وراه، وقفت وأنا أحاول أبلع عبرتي، تردّدت أدخل ولاّ لا .. سارة كانت متعلقة فيني كثير أوّل أيام مرضي، كانت تبكي طول الليل تبيني، بس في الأخير رضخت للظروف وتعلمت كيف تنام بعيد عن حضني، حاولت إني ما أدخل علشان خاطرها، ليش أقلب مواجعها؟!! بس حسيت إني إذا ما شفتها بتتحول آخر ساعاتي إلى ثواني، ولأول مرة أتصرف بأنانية وأفتح الباب وأدخل، كانت أختي نورة تنام جنبها على الأرض، وجلست وانحنيت على سارة وشمّيتها ..
قلت : يا حبيبتي يا سارة ..
وحسّت أختي نورة فيني، وقامت مرتاعة وقالت: العنود؟!!!
نورة ماشفتها من كم أسبوع بس ما سلمت عليها، كنت أودّع العالم وماني فاضية أسلم ..
قلت : نورة أنا أبنام جنب سارة اليوم .. وابتعدت وهي مترددة ، وتمدّدت جنب سارة وضميتها وبكيت، والتفت على نورة ..
قلت : نورة تراني كان ودي أشوف سارة وهي تكبر، كنت أتمنى أشوفها عروس، قولي لها في يوم زواجها يا نورة .. الله يخليكِ كنت أبيهم يذكروني ويترحمون علي بس في ذاك اليوم .. ولاّ سارة ما أظن إنها بتهل دمعتها علي لأنها ما عرفتني زين، تذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إن الابن الصالح ينفع والديه، والتفت على سارة، ودّي أصب عليها التربية كلها في ذيك الساعة كنت أبيها تطلع صالحة .. وتمددت جنبها .. وما أدري كم من الوقت مر؟!! ولأوّل مرّة أسمع صوت أذان الفجر ولا أقدر أتحرك، أحس رجولي مكبلة كأني في كابوس، عيني ثابتة على سقف الغرفة .. حاولت أتحرك ما قدرت وصورة سارة في عيوني وهي نايمة، كنت أبي أضمها ثانية ما شبعت منها .. أغيب عن الوعي وأصحا ثانية، شفت العالم يصرخون حواليني، غرفة بنتي الهادية امتلت بالناس اللي يبكون، هذي أمي وهذا أخوي محمد وهذا زوجي وهذا واحد ما أعرفه، أظنه طبيب ..
جسمي الغض كان متشنج، والتفت سيقاني ببعض، كنت أبي أبكي أستغيث بس ما أقدر أتحرك، قلبني الطبيب يمين ويسار كنّي خرقة بين يديه، وكلّم أهلي وسمعت صوت بكاء شديد ...
ولدتك أمك يا ابن آدم باكيا ... والناس حولك يضحكون سرورا
فاعمل إن تكون إذا بكوا ... في يوم موتك ضاحكا مسرورا
وهنا حسيت بقبلة رطبة على خدي، وفتحت عيوني، لقيت وجه قريب من وجهي، وابتسامه هبلا !!!
سارة!! هذي سارة بنتي!! ضمّيتها وبكيت… بكيت… وش صار؟! وين أنا فيه؟!! وسمعت صوت خالد من دورة المياه، وهو يغسل، ويقول : العنود وش فيكِ رجعت لك كوابيسك مرة ثانية؟!! تعوذي من الشيطان وقومي يا الله أنا ألغيت كل مواعيدي علشان أوديكِ للخياطة ..
حمدت الله إن هذا كان حلم، وإني إلى الآن أقدر أضم سارة، قلت : لا ما أبي أروح للخياطة ؟! ما أبي أترككم يا خالد ..
طلع من دورة المياه، وهو مبتسم بتعجب، وقال : و زواج ماجد؟!!!
قلت : عندي فستان عادي أبلبسه ..
ابتسم وكأنه مو مصدق كلامي وفتحت الشباك وشفت العصافير، واستنشقت هواء نقي، وحمدت الله إن ذيك الليلة الرهيبة كانت حلم، بس حلم ممكن يصير من يضمن حياته؟!! وقررت إني أستعد لها من اليوم ..
لولا الهرم و الفقر و الثالث الموت ... يـا الآدمي بالكون يا عظم شانك
سخّرت ذرات الهوا تفهم الصوت ... وخـليتها أطوع من تحرك بنانك
جـماد تكلمها وهي وسط تابوت ... تـاخذ وتعطي ما صدر من بيانك
وعزمت من فوق القمر تبني بيوت ... مـن يقهرك لو هو طويل زمانك
لـولا الثلاث وشان من قدر
منقوووووووووووووووووووووووووول